خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (1) (الفاتحة) mp3
الِاسْتِعَاذَة فِي الصَّلَاة إِنَّمَا هِيَ لِلتِّلَاوَةِ وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَمُحَمَّد . وَقَالَ أَبُو يُوسُف : بَلْ لِلصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا يَتَعَوَّذ الْمَأْمُوم وَإِنْ كَانَ لَا يَقْرَأ وَيَتَعَوَّذ فِي الْعِيد بَعْد الْإِحْرَام وَقَبْل تَكْبِيرَات الْعِيد وَالْجُمْهُور بَعْدهَا قَبْل الْقِرَاءَة وَمِنْ لَطَائِف الِاسْتِعَاذَة أَنَّهَا طَهَارَة لِلْفَمِ مِمَّا كَانَ يَتَعَاطَاهُ مِنْ اللَّغْو وَالرَّفَث وَتَطْيِيب لَهُ وَهُوَ لِتِلَاوَةِ كَلَام اللَّه وَهِيَ اِسْتِعَانَة بِاَللَّهِ وَاعْتِرَاف لَهُ بِالْقُدْرَةِ وَلِلْعَبْدِ بِالضَّعْفِ وَالْعَجْز عَنْ مُقَاوَمَة هَذَا الْعَدُوّ الْمُبِين الْبَاطِنِيّ الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى مَنْعه وَدَفْعه إِلَّا اللَّه الَّذِي خَلَقَهُ وَلَا يَقْبَل مُصَانَعَة وَلَا يُدَارَى بِالْإِحْسَانِ بِخِلَافِ الْعَدُوّ مِنْ نَوْع الْإِنْسَان كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَات مِنْ الْقُرْآن فِي ثَلَاث مِنْ الْمَثَانِي وَقَالَ تَعَالَى " إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان وَكَفَى بِرَبِّك وَكِيلًا " وَقَدْ نَزَلَتْ الْمَلَائِكَة لِمُقَاتَلَةِ الْعَدُوّ الْبَشَرِيّ فَمَنْ قَتَلَهُ الْعَدُوّ الظَّاهِر الْبَشَرِيّ كَانَ شَهِيدًا وَمَنْ قَتَلَهُ الْعَدُوّ الْبَاطِنِيّ كَانَ طَرِيدًا وَمَنْ غَلَبَهُ الْعَدُوّ الظَّاهِرِيّ كَانَ مَأْجُورًا وَمَنْ قَهَرَهُ الْعَدُوّ الْبَاطِنِيّ كَانَ مَفْتُونًا أَوْ مَوْزُورًا وَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَان يَرَى الْإِنْسَان مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُ اِسْتَعَاذَ مِنْهُ بِاَلَّذِي يَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ الشَّيْطَان . " فَصْل " وَالِاسْتِعَاذَة هِيَ الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالِالْتِصَاق بِجَنَابِهِ مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرّ وَالْعِيَاذَةُ تَكُون لِدَفْعِ الشَّرّ وَاللِّيَاذ يَكُون لِطَلَبِ جَلْب الْخَيْر كَمَا قَالَهُ الْمُتَنَبِّي : يَا مَنْ أَلُوذ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلهُ وَمَنْ أَعُوذ بِهِ مِمَّنْ أُحَاذِرهُ لَا يَجْبُر النَّاس عَظْمًا أَنْتَ كَاسِره وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِره وَمَعْنَى أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم أَيْ أَسْتَجِير بِجَنَابِ اللَّه مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم أَنْ يَضُرّنِي فِي دِينِي أَوْ دُنْيَايَ أَوْ يَصُدّنِي عَنْ فِعْل مَا أُمِرْت بِهِ أَوْ يَحُثّنِي عَلَى فِعْل مَا نُهِيت عَنْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَكُفّهُ عَنْ الْإِنْسَان إِلَّا اللَّه وَلِهَذَا أَمَرَ تَعَالَى بِمُصَانَعَةِ شَيْطَان الْإِنْس وَمُدَارَاته بِإِسْدَاءِ الْجَمِيل إِلَيْهِ لِيَرُدّهُ طَبْعه عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ الْأَذَى وَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ شَيْطَان الْجِنّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَل رِشْوَة وَلَا يُؤَثِّر فِيهِ جَمِيل لِأَنَّهُ شِرِّير بِالطَّبْعِ وَلَا يَكُفّهُ عَنْك إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي ثَلَاث آيَات مِنْ الْقُرْآن لَا أَعْلَم لَهُنَّ رَابِعَة قَوْله فِي الْأَعْرَاف " خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنْ الْجَاهِلِينَ " فَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّق بِمُعَامَلَةِ الْأَعْدَاء مِنْ الْبَشَر ثُمَّ قَالَ " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم " وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ " اِدْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبّ أَعُوذ بِك مِنْ هَمَزَات الشَّيَاطِين وَأَعُوذ بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ" وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة حم السَّجْدَة " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَة وَلَا السَّيِّئَة اِدْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن فَإِذَا الَّذِي بَيْنك وَبَيْنه عَدَاوَة كَأَنَّهُ وَلِيّ حَمِيم وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم وَإِمَّا يَنْزَغَنَّك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم " . الشَّيْطَان فِي لُغَة الْعَرَب مُشْتَقّ مِنْ شَطَنَ إِذَا بَعُدَ فَهُوَ بَعِيدٌ بِطَبْعِهِ عَنْ طِبَاع الْبَشَر وَبَعِيد بِفِسْقِهِ عَنْ كُلّ خَيْر وَقِيلَ مُشْتَقّ مِنْ شَاطَ لِأَنَّهُ مَخْلُوق مِنْ نَار وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول كِلَاهُمَا صَحِيح فِي الْمَعْنَى وَلَكِنَّ الْأَوَّل أَصَحّ وَعَلَيْهِ يَدُلّ كَلَام الْعَرَب . قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فِي ذِكْر مَا أُوتِيَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام : أَيّمَا شَاطِن عَصَاهُ عَكَاهُ ثُمَّ يُلْقَى فِي السِّجْن وَالْأَغْلَال فَقَالَ أَيّمَا شَاطِن وَلَمْ يَقُلْ أَيّمَا شَائِط وَقَالَ النَّابِغَة الذِّبْيَانِيّ وَهُوَ زِيَاد بْن عَمْرو بْن مُعَاوِيَة بْن جَابِر بْن ضَبَاب بْن يَرْبُوع بْن مُرَّة بْن سَعْد بْن ذُبْيَان : نَأَتْ بِسُعَاد عَنْك نَوَى شَطُون فَبَاتَتْ وَالْفُؤَاد بِهَا رَهِين يَقُول بَعُدْت بِهَا طَرِيق بَعِيدَة وَقَالَ سِيبَوَيْهِ الْعَرَب : تَقُول تَشَيْطَنَ فُلَان إِذَا فَعَلَ فِعْل الشَّيَاطِين وَلَوْ كَانَ مِنْ شَاطَ لَقَالُوا تَشَيَّطَ فَالشَّيْطَان مُشْتَقّ مِنْ الْبُعْد عَلَى الصَّحِيح وَلِهَذَا يُسَمُّونَ كُلّ مَنْ تَمَرَّدَ مِنْ جِنِّيّ وَإِنْسِيّ وَحَيَوَان شَيْطَانًا قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا " وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَبَا ذَرّ تَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ " فَقُلْت أَوَلِلْإِنْسِ شَيَاطِين ؟ قَالَ " نَعَمْ" وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَقْطَع الصَّلَاة الْمَرْأَة وَالْحِمَار وَالْكَلْب الْأَسْوَد " فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا بَال الْكَلْب الْأَسْوَد مِنْ الْأَحْمَر وَالْأَصْفَر ؟ فَقَالَ :" الْكَلْب الْأَسْوَد شَيْطَان " . وَقَالَ اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي هِشَام بْن سَعْد عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَكِبَ بِرْذَوْنًا فَجَعَلَ يَتَبَخْتَر بِهِ فَجَعَلَ يَضْرِبهُ فَلَا يَزْدَاد إِلَّا تَبَخْتُرًا فَنَزَلَ عَنْهُ وَقَالَ مَا حَمَلْتُمُونِي إِلَّا عَلَى شَيْطَان مَا نَزَلْت عَنْهُ حَتَّى أَنْكَرْت نَفْسِي إِسْنَاده صَحِيح . وَالرَّجِيم فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول أَيْ أَنَّهُ مَرْجُوم مَطْرُود عَنْ الْخَيْر كُلّه كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيح وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ " وَقَالَ تَعَالَى " إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب وَحِفْظًا مِنْ كُلّ شَيْطَان مَارِد لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جَانِب دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَاب وَاصِب إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَة فَأَتْبَعهُ شِهَاب ثَاقِب " وَقَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلّ شَيْطَان رَجِيم إِلَّا مَنْ اِسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَاب مُبِين " إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات وَقِيلَ رَجِيم بِمَعْنَى رَاجِم لِأَنَّهُ يَرْجُم النَّاس بِالْوَسَاوِسِ وَالْخَبَائِث وَالْأَوَّل أَشْهَر وَأَصَحّ . " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " اِفْتَتَحَ بِهَا الصَّحَابَة كِتَاب اللَّه وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا بَعْض آيَة مِنْ سُورَة النَّمْل ثُمَّ اِخْتَلَفُوا : هَلْ هِيَ آيَة مُسْتَقِلَّة فِي أَوَّل كُلّ سُورَة أَوْ مِنْ كُلّ سُورَة كُتِبَتْ فِي أَوَّلهَا أَوْ أَنَّهَا بَعْض آيَة مِنْ كُلّ سُورَة أَوْ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْفَاتِحَة دُون غَيْرهَا أَوْ أَنَّهَا إِنَّمَا كُتِبَتْ لِلْفَصْلِ لَا أَنَّهَا آيَة عَلَى أَقْوَال الْعُلَمَاء سَلَفًا وَخَلَفًا وَذَلِكَ مَبْسُوط فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَعْرِف فَصْل السُّورَة حَتَّى يَنْزِل عَلَيْهِ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه النَّيْسَابُورِيّ فِي مُسْتَدْرَكه أَيْضًا وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَفِي صَحِيح اِبْن خُزَيْمَةَ عَنْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْبَسْمَلَة فِي أَوَّل الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة وَعَدَّهَا آيَة لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَة عُمَر بْن هَارُون الْبَلْخِيّ وَفِيهِ ضَعْف عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْهَا وَرَوَى لَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مُتَابِعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا وَرَوَى مِثْله عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا وَمِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهَا آيَة مِنْ كُلّ سُورَة إِلَّا بَرَاءَة اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَابْن الزُّبَيْر وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَلِيّ وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاء وَطَاوُس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمَكْحُول وَالزُّهْرِيّ وَبِهِ يَقُول عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة عَنْهُ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام رَحِمَهمْ اللَّه وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمَا لَيْسَتْ آيَة مِنْ الْفَاتِحَة وَلَا مِنْ غَيْرهَا مِنْ السُّوَر وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي قَوْلٍ فِي بَعْض طُرُق مَذْهَبه هِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ غَيْرهَا وَعَنْهُ أَنَّهَا بَعْضُ آيَة مِنْ أَوَّل كُلّ سُورَة وَهُمَا غَرِيبَانِ وَقَالَ دَاوُدُ هِيَ آيَة مُسْتَقِلَّة فِي أَوَّل كُلّ سُورَة لَا مِنْهَا وَهَذَا رِوَايَة عَنْ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل وَحَكَاهُ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ عَنْ أَبِي الْحَسَن الْكَرْخِيّ وَهُمَا مِنْ أَكَابِر أَصْحَاب أَبَى حَنِيفَة رَحِمَهمْ اللَّه . هَذَا مَا يَتَعَلَّق بِكَوْنِهَا آيَة مِنْ الْفَاتِحَة أَمْ لَا . فَأَمَّا الْجَهْر بِهَا فَفَرْع عَلَى هَذَا فَمَنْ رَأَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَة فَلَا يَجْهَر بِهَا وَكَذَا مَنْ قَالَ إِنَّهَا آيَة فِي أَوَّلهَا وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا مِنْ أَوَائِل السُّوَر فَاخْتَلَفُوا فَذَهَبَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه إِلَى أَنَّهُ يُجْهَر بِهَا مَعَ الْفَاتِحَة وَالسُّورَة وَهُوَ مَذْهَب طَوَائِف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّة الْمُسْلِمِينَ سَلَفًا وَخَلَفًا فَجَهَرَ بِهَا مِنْ الصَّحَابَة أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَحَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَالْبَيْهَقِيّ عَنْ عُمَر وَعَلِيّ وَنَقَلَهُ الْخَطِيب عَنْ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَهُمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَهُوَ غَرِيب وَمِنْ التَّابِعِينَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة وَأَبِي قِلَابَة وَالزُّهْرِيّ وَعَلِيّ بْن الْحَسَن وَابْنه مُحَمَّد وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء وَطَاوُس وَمُجَاهِد وَسَالِم وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَعُبَيْد وَأَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم وَأَبِي وَائِل وَابْن سِيرِينَ وَمُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر وَعَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَابْنه مُحَمَّد وَنَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر وَزَيْد بْن أَسْلَم وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالْأَزْرَق بْن قَيْس وَحَبِيب بْن أَبِي ثَابِت وَابْن الشَّعْثَاء وَمَكْحُول وَعَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل بْن مُقَرِّن زَادَ الْبَيْهَقِيّ وَعَبْد اللَّه بْن صَفْوَان وَمُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة زَادَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَعَمْرو بْن دِينَار وَالْحُجَّة فِي ذَلِكَ أَنَّهَا بَعْض الْفَاتِحَة فَيَجْهَر فِيهَا كَسَائِرِ أَبْعَاضهَا وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ فِي سُنَنه وَابْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ صَلَّى فَجَهَرَ فِي قِرَاءَته بِالْبَسْمَلَةِ وَقَالَ بَعْد أَنْ فَرَغَ إِنِّي لَأَشْبَهكُمْ صَلَاة بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْخَطِيب وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيْرهمْ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَح الصَّلَاة بِبِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَر بِبِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ثُمَّ قَالَ صَحِيح . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كَانَتْ قِرَاءَته مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم يَمُدّ بِسْمِ اللَّه وَيَمُدّ الرَّحْمَن وَيَمُدّ الرَّحِيم . وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد وَسُنَن أَبِي دَاوُدَ وَصَحِيح اِبْن خُزَيْمَةَ وَمُسْتَدْرَك الْحَاكِم عَنْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَطِّع قِرَاءَته" بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالِك يَوْم الدِّين " وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ . وَرَوَى الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الشَّافِعِيّ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه عَنْ أَنَس بْن مُعَاوِيَة صَلَّى بِالْمَدِينَةِ فَتَرَكَ الْبَسْمَلَة فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ذَلِكَ فَلَمَّا صَلَّى الْمَرَّة الثَّانِيَة بَسْمَلَ . وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث وَالْآثَار الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا كِفَايَة وَمَقْنَع فِي الِاحْتِجَاج لِهَذَا الْقَوْل عَمَّا عَدَاهَا . فَأَمَّا الْمُعَارَضَات وَالرِّوَايَات الْغَرِيبَة وَتَطْرِيقهَا وَتَعْلِيلهَا وَتَضْعِيفهَا وَتَقْرِيرهَا فَلَهُ مَوْضِع آخَر . وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْهَر بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاة وَهَذَا هُوَ الثَّابِت عَنْ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَعَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل وَطَوَائِف مِنْ سَلَف التَّابِعِينَ وَالْخَلَف وَهُوَ مَذْهَب أَبَى حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل . وَعِنْد الْإِمَام مَالِك أَنَّهُ لَا يَقْرَأ الْبَسْمَلَةَ بِالْكُلِّيَّةِ لَا جَهْرًا وَلَا سِرًّا وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِح الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةَ بِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ" وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : صَلَّيْت خَلْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ" وَلِمُسْلِمٍ لَا يَذْكُرُونَ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم" فِي أَوَّل قِرَاءَة وَلَا فِي آخِرهَا وَنَحْوهَا فِي السُّنَن عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَهَذِهِ مَآخِذ الْأَئِمَّة رَحِمَهمْ اللَّه فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَهِيَ قَرِيبَة لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّة صَلَاة مَنْ جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ وَمَنْ أَسَرَّ وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة . فَصْل فِي فَضْلهَا قَالَ الْإِمَام الْعَالِم الْحَبْر الْعَابِد أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم رَحِمَهُ اللَّه فِي تَفْسِيره حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن مُسَافِر حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْمُبَارَك الصَّنْعَانِيّ حَدَّثَنَا سَلَّام بْن وَهْب الْجَنَدِيّ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ طَاوُس عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ عُثْمَان بْن عَفَّان سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " ؟ فَقَالَ" هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه وَمَا بَيْنه وَبَيْن اِسْم اللَّه الْأَكْبَر إِلَّا كَمَا بَيْن سَوَاد الْعَيْنَيْنِ وَبَيَاضهمَا مِنْ الْقُرْب " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ عَنْ سُلَيْمَان بْن أَحْمَد عَنْ عَلِيّ بْن الْمُبَارَك عَنْ زَيْد بْن الْمُبَارَك بِهِ . وَقَدْ رَوَى الْحَافِظ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ إِسْمَاعِيل بْن يَحْيَى عَنْ مِسْعَر عَنْ عَطِيَّة عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام أَسْلَمَتْهُ أُمّه إِلَى الْكُتَّاب لِيُعَلِّمهُ فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّم : اُكْتُبْ فَقَالَ : مَا أَكْتُب ؟ قَالَ : بِسْمِ اللَّه قَالَ لَهُ عِيسَى : وَمَا بِسْمِ اللَّه ؟ قَالَ الْمُعَلِّم : مَا أَدْرِي ؟ قَالَ لَهُ عِيسَى : الْبَاء بَهَاء اللَّه وَالسِّين سَنَاؤُهُ وَالْمِيم مَمْلَكَته وَاَللَّه إِلَه الْآلِهَة وَالرَّحْمَن رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالرَّحِيم رَحِيم الْآخِرَة " وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن جَرِير مِنْ حَدِيث إِبْرَاهِيم بْن الْعَلَاء الْمُلَقَّب بِابْنِ زِبْرِيق عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ إِسْمَاعِيل بْن يَحْيَى عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَمِسْعَر عَنْ عَطِيَّة عَنْ أَبِي سَعِيد . قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَه وَهَذَا غَرِيب جِدًّا وَقَدْ يَكُون صَحِيحًا إِلَى مَنْ دُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ يَكُون مِنْ الْإِسْرَائِيلِيَّات لَا مِنْ الْمَرْفُوعَات وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَى جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك نَحْوه مِنْ قَبْله وَقَدْ رَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث يَزِيد بْن خَالِد عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَةَ وَفِي رِوَايَة عَنْ عَبْد الْكَرِيم أَبِي أُمَيَّة عَنْ أَبَى بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَة لَمْ تَنْزِل عَلَى نَبِيّ غَيْر سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ وَغَيْرِي وَهِيَ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْكَبِير بْن الْمُعَافَى بْن عِمْرَان عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَر بْن ذَرّ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : لَمَّا نَزَلَ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " هَرَبَ الْغَيْم إِلَى الْمَشْرِق وَسَكَنَتْ الرِّيَاح وَهَاجَ الْبَحْر وَأَصْغَتْ الْبَهَائِم بِآذَانِهَا وَرُجِمَتْ الشَّيَاطِين مِنْ السَّمَاء وَحَلَفَ اللَّه تَعَالَى بِعِزَّتِهِ وَجَلَاله أَنْ لَا يُسَمَّى اِسْمه عَلَى شَيْء إِلَّا بَارَكَ فِيهِ . وَقَالَ وَكِيع عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّه مِنْ الزَّبَانِيَة التِّسْعَة عَشَر فَلْيَقْرَأْ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَيَجْعَل اللَّه لَهُ مِنْ كُلّ حَرْف مِنْهَا جُنَّة مِنْ كُلّ وَاحِد ذَكَرَه اِبْن عَطِيَّة وَالْقُرْطُبِيّ وَوَجَّهَهُ اِبْن عَطِيَّةَ وَنَصَرَهُ بِحَدِيثِ " لَقَدْ رَأَيْت بِضْعَة وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا " لِقَوْلِ الرَّجُل رَبّنَا وَلَك الْحَمْد حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِنْ أَجْل أَنَّهَا بِضْعَة وَثَلَاثُونَ حَرْفًا وَغَيْر ذَلِكَ . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ عَاصِم قَالَ : سَمِعْت أَبَا تَمِيمَة يُحَدِّث عَنْ رَدِيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : عَثَرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارُهُ فَقُلْت : تَعِسَ الشَّيْطَان فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَان فَإِنَّك إِذَا قُلْت تَعِسَ الشَّيْطَان تَعَاظَمَ وَقَالَ بِقُوَّتِي صَرَعْته وَإِذَا قُلْت بِسْمِ اللَّه تَصَاغَرَ حَتَّى يَصِير مِثْل الذُّبَاب " هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِمَام أَحْمَد وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَابْن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيره مِنْ حَدِيث خَاله الْحَذَّاء عَنْ أَبِي تَمِيمَة وَهُوَ الْهُجَيْمِيّ عَنْ أَبِي الْمَلِيح بْن أُسَامَة بْن عُمَيْر عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت رَدِيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَه وَقَالَ " لَا تَقُلْ هَكَذَا فَإِنَّهُ يَتَعَاظَم حَتَّى يَكُون كَالْبَيْتِ وَلَكِنْ قُلْ بِسْمِ اللَّه فَإِنَّهُ يَصْغُر حَتَّى يَكُون كَالذُّبَابَةِ" فَهَذَا مِنْ تَأْثِير بَرَكَة بِسْمِ اللَّه وَلِهَذَا تُسْتَحَبّ فِي أَوَّل كُلّ عَمَل وَقَوْل . فَتُسْتَحَبّ فِي أَوَّل الْخُطْبَة لِمَا جَاءَ " كُلّ أَمْر لَا يُبْدَأ فِيهِ بِ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَهُوَ أَجْذَم وَتُسْتَحَبّ الْبَسْمَلَة عِنْد دُخُول الْخَلَاء لِمَا وَرَدَ مِنْ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ . وَتُسْتَحَبّ فِي أَوَّل الْوُضُوء لِمَا جَاءَ فِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد وَالسُّنَن مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة وَسَعِيد بْن زَيْد وَأَبَى سَعِيد مَرْفُوعًا" لَا وُضُوء لِمَنْ لَمْ يَذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ " وَهُوَ حَدِيث حَسَن . وَمِنْ الْعُلَمَاء مَنْ أَوْجَبَهَا عِنْد الذِّكْر هَهُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا مُطْلَقًا وَكَذَا تُسْتَحَبّ عِنْدَ الذَّبِيحَة فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة وَأَوْجَبَهَا آخَرُونَ عِنْد الذِّكْر وَمُطْلَقًا فِي قَوْل بَعْضهمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه وَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره فِي فَضْل الْبَسْمَلَة أَحَادِيث مِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا أَتَيْت أَهْلَك فَسَمِّ اللَّهَ فَإِنَّهُ إِنْ وُلِدَ لَك وَلَدٌ كُتِبَ لَك بِعَدَدِ أَنْفَاسه وَأَنْفَاس ذُرِّيَّته حَسَنَات " وَهَذَا لَا أَصْل لَهُ وَلَا رَأَيْته فِي شَيْء مِنْ الْكُتُب الْمُعْتَمَد عَلَيْهَا وَلَا غَيْرهَا . وَهَكَذَا تُسْتَحَبّ عِنْدَ الْأَكْل لِمَا فِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَبِيبِهِ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة " قُلْ بِسْمِ اللَّه وَكُلْ بِيَمِينِك وَكُلْ مِمَّا يَلِيك " وَمِنْ الْعُلَمَاء مَنْ أَوْجَبَهَا وَالْحَالَة هَذِهِ وَكَذَلِكَ تُسْتَحَبّ عِنْد الْجِمَاع لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ أَنَّ أَحَدكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْله قَالَ بِسْمِ اللَّه اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَان وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّر بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَان أَبَدًا " . وَمِنْ هَهُنَا يَنْكَشِف لَك أَنَّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ النُّحَاة فِي تَقْدِير الْمُتَعَلِّق بِالْبَاءِ فِي قَوْله بِسْمِ اللَّه هَلْ هُوَ اِسْم أَوْ فِعْل مُتَقَارِبَانِ وَكُلٌّ قَدْ وَرَدَ بِهِ الْقُرْآن أَمَّا مَنْ قَدَّرَهُ بِاسْمٍ تَقْدِيره بِسْمِ اللَّه اِبْتِدَائِي فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَقَالَ اِرْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّه مَجْرِيهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" وَمَنْ قَدَّرَهُ بِالْفِعْلِ أَمْرًا أَوْ خَبَرًا نَحْو أَبْدَأُ بِسْمِ اللَّه فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى " اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك الَّذِي خَلَقَ " وَكِلَاهُمَا صَحِيح فَإِنَّ الْفِعْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَصْدَرٍ فَلَك أَنْ تُقَدِّر الْفِعْلَ وَمَصْدَرَهُ وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْفِعْل الَّذِي سَمَّيْت قَبْله إِنْ كَانَ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا أَوْ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا أَوْ قِرَاءَة أَوْ وُضُوءًا أَوْ صَلَاة فَالْمَشْرُوع ذِكْر اِسْم اللَّه فِي الشُّرُوع فِي ذَلِكَ كُلّه تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا وَاسْتِعَانَة عَلَى الْإِتْمَام وَالتَّقَبُّل وَاَللَّه أَعْلَم . وَلِهَذَا رَوَى اِبْن جَرِير وَابْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ إِنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيل عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَا مُحَمَّد قُلْ أَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ السَّمِيع الْعَلِيم مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم ثُمَّ قَالَ : قُلْ" بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " قَالَ : قَالَ لَهُ جِبْرِيل بِاسْمِ اللَّه يَا مُحَمَّد يَقُول اِقْرَأْ بِذِكْرِ اللَّه رَبّك وَقُمْ وَاقْعُدْ بِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى " لَفْظ اِبْن جَرِير وَأَمَّا مَسْأَلَة الِاسْم هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْره فَفِيهَا لِلنَّاسِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّ الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى وَهُوَ قَوْل أَبِي عُبَيْدَة وَسِيبَوَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَابْن فَوْرك وَقَالَ الرَّازِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بْن عُمَر الْمَعْرُوف بِابْنِ خَطِيب الرَّيّ فِي مُقَدِّمَات تَفْسِيره : قَالَتْ الْحَشْوِيَّة وَالْكَرَامِيَّة وَالْأَشْعَرِيَّة الِاسْم نَفْس الْمُسَمَّى وَغَيْر نَفْس التَّسْمِيَة وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَة الِاسْم غَيْر الْمُسَمَّى وَنَفْس التَّسْمِيَة وَالْمُخْتَار عِنْدَنَا أَنَّ الِاسْمَ غَيْر الْمُسَمَّى وَغَيْر التَّسْمِيَة ثُمَّ نَقُول إِنْ كَانَ الْمُرَاد بِالِاسْمِ هَذَا اللَّفْظ الَّذِي هُوَ أَصْوَات مُتَقَطِّعَة وَحُرُوف مُؤَلَّفَة فَالْعِلْم الضَّرُورِيّ حَاصِل أَنَّهُ غَيْر الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بِالِاسْمِ ذَات الْمُسَمَّى فَهَذَا يَكُون مِنْ بَاب إِيضَاح الْوَاضِحَات وَهُوَ عَبَث فَثَبَتَ أَنَّ الْخَوْض فِي هَذَا الْبَحْث عَلَى جَمِيع التَّقْدِيرَات يَجْرِي مَجْرَى الْعَبَث . ثُمَّ شَرَعَ يُسْتَدَلّ عَلَى مُغَايَرَة الِاسْم لِلْمُسَمَّى بِأَنَّهُ قَدْ يَكُون الِاسْم مَوْجُودًا وَالْمُسَمَّى مَفْقُودًا كَلَفْظَةِ الْمَعْدُوم وَبِأَنَّهُ قَدْ يَكُون لِلشَّيْءِ أَسْمَاءَ مُتَعَدِّدَة كَالْمُتَرَادِفَةِ وَقَدْ يَكُون الِاسْم وَاحِدًا وَالْمُسَمَّيَات مُتَعَدِّدَة كَالْمُشْتَرَكِ وَذَلِكَ دَالّ عَلَى تَغَايُر الِاسْم وَالْمُسَمَّى وَأَيْضًا فَالِاسْم لَفْظ وَهُوَ عَرَض وَالْمُسَمَّى قَدْ يَكُون ذَاتًا مُمْكِنَة أَوْ وَاجِبَة بِذَاتِهَا وَأَيْضًا فَلَفْظ النَّار وَالثَّلْج لَوْ كَانَ هُوَ الْمُسَمَّى لَوَجَدَ اللَّافِظ بِذَلِكَ حَرّ النَّار أَوْ بَرْد الثَّلْج وَنَحْو ذَلِكَ وَلَا يَقُولهُ عَاقِل وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا" فَهَذِهِ أَسْمَاء كَثِيرَة وَالْمُسَمَّى وَاحِد وَهُوَ اللَّه تَعَالَى وَأَيْضًا فَقَوْله " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء " أَضَافَهَا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ " فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبّك الْعَظِيم " وَنَحْو ذَلِكَ فَالْإِضَافَة تَقْتَضِي الْمُغَايَرَة وَقَوْله تَعَالَى " فَادْعُوهُ بِهَا " أَيْ فَادْعُوا اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهَا غَيْره وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى بِقَوْلِهِ تَعَالَى" تَبَارَكَ اِسْم رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " وَالْمُتَبَارَك هُوَ اللَّه تَعَالَى وَالْجَوَاب أَنَّ الِاسْم مُعَظَّم لِتَعْظِيمِ الذَّات الْمُقَدَّسَة وَأَيْضًا فَإِذَا قَالَ الرَّجُل زَيْنَب طَالِق يَعْنِي اِمْرَأَته طَلُقَتْ , وَلَوْ كَانَ الِاسْم غَيْر الْمُسَمَّى لَمَا وَقَعَ الطَّلَاق , وَالْجَوَاب أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الذَّات الْمُسَمَّاة بِهَذَا الِاسْم طَالِق . قَالَ الرَّازِيّ : وَأَمَّا التَّسْمِيَة فَإِنَّهَا جَعْل الِاسْم مُعَيِّنًا لِهَذِهِ الذَّات فَهِيَ غَيْر الِاسْم أَيْضًا وَاَللَّه أَعْلَم " اللَّه " عَلَم عَلَى الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقَال إِنَّهُ الِاسْم الْأَعْظَم لِأَنَّهُ يُوصَف بِجَمِيعِ الصِّفَات كَمَا قَالَ تَعَالَى " هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْمَلِك الْقُدُّوس السَّلَام الْمُؤْمِن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار الْمُتَكَبِّر سُبْحَان اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّه الْخَالِق الْبَارِئ الْمُصَوِّر لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّح لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم " فَأَجْرَى الْأَسْمَاء الْبَاقِيَةَ كُلّهَا صِفَات لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " وَقَالَ تَعَالَى " قُلْ اُدْعُوا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا مِائَة إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة " وَجَاءَ تَعْدَادهَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ وَبَيْن الرِّوَايَتَيْنِ اِخْتِلَاف زِيَادَة وَنُقْصَان وَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ لِلَّهِ خَمْسَة آلَاف اِسْم أَلْف فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة الصَّحِيحَة وَأَلْف فِي التَّوْرَاة وَأَلْف فِي الْإِنْجِيل وَأَلْف فِي الزَّبُور وَأَلْف فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَهُوَ اِسْم لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْره تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب لَهُ اِشْتِقَاق مِنْ فَعَلَ يَفْعَل فَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ النُّحَاة إِلَى أَنَّهُ اِسْم جَامِد لَا اِشْتِقَاق لَهُ وَقَدْ نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ الشَّافِعِيّ وَالْخَطَّابِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيّ وَغَيْرهمْ وَرُوِيَ عَنْ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَلِف وَاللَّامَ فِيهِ لَازِمَة قَالَ الْخَطَّابِيّ أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول يَا اللَّه وَلَا تَقُول يَا الرَّحْمَن فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ أَصْل الْكَلِمَة لَمَا جَازَ إِدْخَال حَرْف النِّدَاء عَلَى الْأَلِف وَاللَّام وَقِيلَ إِنَّهُ مُشْتَقّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ رُؤْبَةَ بْن الْعَجَّاج : لِلَّهِ دَرّ الْغَانِيَات الْمُدَّهِ سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي فَقَدْ صَرَّحَ الشَّاعِر بِلَفْظِ الْمَصْدَر وَهُوَ التَّأَلُّه مِنْ أَلِه يَأْلَهُ إِلَاهَة وَتَأَلُّهًا كَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ " وَيَذَرك وَإِلَاهَتك " قَالَ عِبَادَتك أَيْ أَنَّهُ كَانَ يُعْبَد وَلَا يَعْبُد وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بَعْضهمْ عَلَى كَوْنه مُشْتَقًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى" وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ " كَمَا قَالَ تَعَالَى" وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ " وَنَقَلَ سِيبَوَيْهِ عَنْ الْخَلِيل أَنَّ أَصْلَهُ إِلَاه مِثْل فِعَال فَأُدْخِلَتْ الْأَلِف وَاللَّام بَدَلًا مِنْ الْهَمْزَة قَالَ سِيبَوَيْهِ مِثْل النَّاس أَصْله أُنَاس وَقِيلَ أَصْل الْكَلِمَة لَاه فَدَخَلَتْ الْأَلِف وَاللَّام لِلتَّعْظِيمِ وَهَذَا اِخْتِيَار سِيبَوَيْهِ . قَالَ الشَّاعِر : لَاه اِبْن عَمّك لَا أَفَضَلْت فِي حَسَب عَنِّي وَلَا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُونِي قَالَ الْقُرْطُبِيّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَيْ فَتَسُوسنِي وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء أَصْله الْإِلَه حَذَفُوا الْهَمْزَة وَأَدْغَمُوا اللَّام الْأُولَى فِي الثَّانِيَة كَمَا قَالَ " لَكِنَّا هُوَ اللَّه رَبِّي " أَيْ لَكِنْ أَنَا وَقَدْ قَرَأَهَا كَذَلِكَ الْحَسَن قَالَ الْقُرْطُبِيّ ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُشْتَقّ مِنْ وَلِهَ إِذَا تَحَيَّرَ وَالْوَلَه ذَهَاب الْعَقْل يُقَال رَجُل وَالِهٌ وَامْرَأَة وَلْهَى وَمَوْلُوهَةٌ إِذَا أُرْسِل فِي الصَّحْرَاء فَاَللَّه تَعَالَى يُحَيِّر أُولَئِكَ فِي الْفِكْر فِي حَقَائِق صِفَاته فَعَلَى هَذَا يَكُون وِلَاه فَأُبْدِلَتْ الْوَاو هَمْزَة كَمَا قَالُوا فِي وِشَاح إِشَاح وَوِسَادَة إِسَادَة وَقَالَ الرَّازِيّ وَقِيلَ إِنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ أَلِهْت إِلَى فُلَان أَيْ سَكَنْت إِلَيْهِ فَالْعُقُول لَا تَسْكُن إِلَّا إِلَى ذِكْرِهِ وَالْأَرْوَاح لَا تَفْرَحُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ لِأَنَّهُ الْكَامِلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى" أَلَا بِذِكْرِ اللَّه تَطْمَئِنّ الْقُلُوب الَّذِينَ آمَنُوا " قَالَ وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ إِذَا اِحْتَجَبَ وَقِيلَ اِشْتِقَاقه مِنْ أَلِهِ الْفَصِيل أَوْلَعَ بِأُمِّهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعِبَاد مَأْلُوهُونَ مُولَعُونَ بِالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ فِي كُلّ الْأَحْوَال قَالَ : وَقِيلَ مُشْتَقّ مِنْ أَلِهَ الرَّجُل يَأْلَه إِذَا فَزِعَ مِنْ أَمْر نَزَلَ بِهِ فَأَلِههُ أَيْ أَجَارَهُ فَالْمُجِير لِجَمِيعِ الْخَلَائِق مِنْ كُلّ الْمَضَارّ هُوَ اللَّه سُبْحَانه لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَهُوَ يُجِير وَلَا يُجَار عَلَيْهِ " وَهُوَ الْمُنْعِم لِقَوْلِهِ تَعَالَى" وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنْ اللَّه " وَهُوَ الْمُطْعِم لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَهُوَ يُطْعِم وَلَا يُطْعَم " وَهُوَ الْمُوجِد لِقَوْلِهِ تَعَالَى " قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْد اللَّهِ " وَقَدْ اِخْتَارَ الرَّازِيّ أَنَّهُ اِسْم غَيْر مُشْتَقّ الْبَتَّة قَالَ وَهُوَ قَوْل الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ وَأَكْثَر الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء ثُمَّ أَخَذَ يَسْتَدِلّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَقًّا لَاشْتَرَكَ فِي مَعْنَاهُ كَثِيرُونَ وَمِنْهَا أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَسْمَاء تُذْكَر صِفَات لَهُ فَتَقُول اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم الْمَلِك الْقُدُّوس فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ قَالَ : فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى " الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ " عَلَى قِرَاءَة الْجَرِّ فَجُعِلَ ذَلِكَ فِي بَاب عَطْف الْبَيَان وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى" هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا " وَفِي الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ عَلَى كَوْن هَذَا الِاسْم جَامِدًا غَيْر مُشْتَقّ نَظَر وَاَللَّه أَعْلَم. وَحَكَى الرَّازِيّ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ اِسْم اللَّه تَعَالَى عِبْرَانِيّ ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَهُوَ حَقِيق بِالتَّضْعِيفِ كَمَا قَالَ وَقَدْ حَكَى الرَّازِيّ هَذَا الْقَوْل ثُمَّ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلَائِق قِسْمَانِ وَاصِلُونَ إِلَى سَاحِل بَحْر الْمَعْرِفَة وَمَحْرُومُونَ قَدْ بَقُوا فِي ظُلُمَات الْحَيْرَة وَتِيه الْجَهَالَة فَكَأَنَّهُمَا قَدْ فَقَدُوا عُقُولهمْ وَأَرْوَاحهمْ وَأَمَّا الْوَاجِدُونَ فَقَدْ وَصَلُوا إِلَى عَرْصَة النُّور وَفُسْحَة الْكِبْرِيَاء وَالْجَلَال فَتَاهُوا فِي مَيَادِين الصَّمَدِيَّة وَبَادُوا فِي عَرْصَة الْفَرْدَانِيَّة فَثَبَتَ أَنَّ الْخَلَائِق كُلّهمْ وَالِهُونَ فِي مَعْرِفَته وَرُوِيَ عَنْ الْخَلِيل بْن أَحْمَد أَنَّهُ قَالَ لِأَنَّ الْخَلْق يَأْلَهُونَ إِلَيْهِ بِفَتْحِ اللَّام وَكَسْرهَا لُغَتَانِ وَقِيلَ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الِارْتِفَاع فَكَانَتْ الْعَرَب تَقُول لِكُلِّ شَيْء مُرْتَفِع لَاهًا وَكَانُوا يَقُولُونَ إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس لَاهَتْ وَقِيلَ إِنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ أَلِهَ الرَّجُل إِذَا تَعَبَّدَ وَتَأَلَّهَ إِذَا تَنَسَّكَ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " وَيَذَرك وَإِلَاهَتك " وَأَصْل ذَلِكَ الْإِلَه فَحُذِفَتْ الْهَمْزَة الَّتِي هِيَ فَاء الْكَلِمَة فَالْتَقَتْ اللَّام الَّتِي هِيَ عَيْنهَا مَعَ اللَّام الزَّائِدَة فِي أَوَّلهَا لِلتَّعْرِيفِ فَأُدْغِمَتْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى فَصَارَتَا فِي اللَّفْظ لَامًا وَاحِدَة مُشَدَّدَة وَفُخِّمَتْ تَعْظِيمًا فَقِيلَ اللَّه . " الرَّحْمَن الرَّحِيم " اِسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنْ الرَّحْمَة عَلَى وَجْه الْمُبَالَغَة وَرَحْمَن أَشَدّ مُبَالَغَة مِنْ رَحِيم وَفِي كَلَام اِبْن جَرِير مَا يُفْهَم مِنْهُ حِكَايَة الِاتِّفَاق عَلَى هَذَا وَفِي تَفْسِير بَعْض السَّلَف مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَثَر عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ : وَالرَّحْمَن رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالرَّحِيم رَحِيم الْآخِرَة . زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّهُ غَيْر مُشْتَقّ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاتَّصَلَ بِذِكْرِ الْمَرْحُوم وَقَدْ قَالَ " وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا " وَحَكَى اِبْن الْأَنْبَارِيّ فِي الزَّاهِر عَنْ الْمُبَرِّد أَنَّ الرَّحْمَن اِسْم عِبْرَانِيّ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج فِي مَعَانِي الْقُرْآن : وَقَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى الرَّحِيم عَرَبِيّ وَالرَّحْمَن عَرَبِيّ فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنهمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق وَهَذَا الْقَوْل مَرْغُوب عَنْهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقّ مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " قَالَ اللَّه تَعَالَى أَنَا الرَّحْمَن خَلَقْت الرَّحِمَ وَشَقَقْت لَهَا اِسْمًا مِنْ اِسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْته وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْته " قَالَ وَهَذَا نَصّ فِي الِاشْتِقَاق فَلَا مَعْنَى لِلْمُخَالَفَةِ وَالشِّقَاق قَالَ وَإِنْكَار الْعَرَب لِاسْمِ الرَّحْمَن لِجَهْلِهِمْ بِاَللَّهِ وَبِمَا وَجَبَ لَهُ . قَالَ الْقُرْطُبِيّ : ثُمَّ قِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد كَنَدْمَان وَنَدِيم . قَالَهُ أَبُو عُبَيْد وَقِيلَ لَيْسَ بِنَاء فَعْلَان كَفَعِيلٍ فَإِنَّ فَعْلَان لَا يَقَع إِلَّا عَلَى مُبَالَغَة الْفِعْل نَحْو قَوْلِك رَجُل غَضْبَان لِلرَّجُلِ الْمُمْتَلِئ غَضَبًا وَفَعِيل قَدْ يَكُون بِمَعْنَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول قَالَ أَبُو عَلِيّ الْفَارِسِيّ الرَّحْمَن اِسْم عَامّ فِي جَمِيع أَنْوَاع الرَّحْمَة يَخْتَصّ بِهِ اللَّه تَعَالَى وَالرَّحِيم إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَة الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس هُمَا إِسْمَان رَقِيقَانِ أَحَدهمَا أَرَقّ مِنْ الْآخَر أَيْ أَكْثَر رَحْمَة ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الْخَطَّابِيّ وَغَيْره أَنَّهُمْ اسْتَشْكَلُوا هَذِهِ الصِّفَة وَقَالُوا لَعَلَّهُ أَرْفَق كَمَا فِي الْحَدِيث " إِنَّ اللَّهَ رَفِيق يُحِبّ الرِّفْق فِي الْأَمْر كُلّه وَأَنَّهُ يُعْطِي عَلَى الرِّفْق مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْف " وَقَالَ اِبْن الْمُبَارَك الرَّحْمَن إِذَا سُئِلَ أَعْطَى وَالرَّحِيم إِذَا لَمْ يُسْأَل يَغْضَب وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي صَالِح الْفَارِسِيّ الْخَوْزِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَنْ لَمْ يَسْأَل اللَّه يَغْضَب عَلَيْهِ " وَقَالَ بَعْض الشُّعَرَاء : اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْت سُؤَالَهُ وَبُنَيّ آدَمَ حِينَ يُسْأَل يَغْضَب وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا السُّرِّيّ بْن يَحْيَى التَّمِيمِيّ حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن زُفَر سَمِعْت الْعَزْرَمِيّ يَقُول الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الرَّحْمَن لِجَمِيعِ الْخَلْق الرَّحِيم قَالَ بِالْمُؤْمِنِينَ قَالُوا وَلِهَذَا قَالَ " ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش الرَّحْمَن" وَقَالَ " الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى " فَذَكَرَ الِاسْتِوَاء بِاسْمِهِ الرَّحْمَن لِيَعُمّ جَمِيع خَلْقه بِرَحْمَتِهِ وَقَالَ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا فَخَصَّهُمْ بِاسْمِهِ الرَّحِيم قَالُوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَن أَشَدّ مُبَالَغَة فِي الرَّحْمَة لِعُمُومِهَا فِي الدَّارَيْنِ لِجَمِيعِ خَلْقه وَالرَّحِيم خَاصَّة بِالْمُؤْمِنِينَ لَكِنْ جَاءَ فِي الدُّعَاء الْمَأْثُور رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَرَحِيمهمَا وَاسْمه تَعَالَى الرَّحْمَن خَاصّ بِهِ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْره كَمَا قَالَ تَعَالَى " قُلْ اُدْعُوا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى " وَقَالَ تَعَالَى " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِك مِنْ رُسُلنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُون الرَّحْمَن آلِهَة يُعْبَدُونَ " وَلَمَّا تَجَهْرَمَ مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب وَتَسَمَّى بِرَحْمَنِ الْيَمَامَة كَسَاهُ اللَّه جِلْبَاب الْكَذِب وَشَهَّرَ بِهِ فَلَا يُقَال إِلَّا مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب فَصَارَ يُضْرَب بِهِ الْمَثَل فِي الْكَذِب بَيْن أَهْل الْحَضَر مِنْ أَهْل الْمَدَر وَأَهْل الْوَبَر مِنْ أَهْل الْبَادِيَة وَالْأَعْرَاب. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الرَّحِيم أَشَدّ مُبَالَغَة مِنْ الرَّحْمَن لِأَنَّهُ أُكِّدَ بِهِ وَالْمُؤَكِّد لَا يَكُون إِلَّا أَقْوَى مِنْ الْمُؤَكَّد . وَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَاب التَّأْكِيد وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَاب النَّعْت وَلَا يَلْزَم فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ وَعَلَى هَذَا فَيَكُون تَقْدِير اِسْم اللَّه الَّذِي لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَد غَيْره وَوَصَفَهُ أَوَّلًا بِالرَّحْمَنِ الَّذِي مَنَعَ مِنْ التَّسْمِيَة بِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " قُلْ اُدْعُوا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى " وَإِنَّمَا تَجَهْرَمَ مُسَيْلِمَة الْيَمَامَة فِي التَّسَمِّي بِهِ وَلَمْ يُتَابِعهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الضَّلَالَة وَأَمَّا الرَّحِيم فَإِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ بِهِ غَيْرَهُ حَيْثُ قَالَ " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيص عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيم " كَمَا وَصَفَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَة أَمْشَاج نَبْتَلِيه فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا " وَالْحَاصِل أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْره وَمِنْهَا مَا لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْره كَاسْمِ اللَّه وَالرَّحْمَن وَالْخَالِق وَالرَّزَّاق وَنَحْو ذَلِكَ فَلِهَذَا بَدَأَ بِاسْمِ اللَّه وَوَصَفَهُ بِالرَّحْمَنِ لِأَنَّهُ أَخَصّ وَأَعْرَف مِنْ الرَّحِيم لِأَنَّ التَّسْمِيَة أَوَّلًا إِنَّمَا تَكُون بِأَشْرَف الْأَسْمَاء فَلِهَذَا اِبْتَدَأَ بِالْأَخَصِّ فَالْأَخَصّ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ الرَّحْمَن أَشَدّ مُبَالَغَة فَهَلَّا اِكْتَفَى بِهِ عَنْ الرَّحِيم فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا تَسَمَّى غَيْره تَعَالَى بِالرَّحْمَنِ جِيءَ بِلَفْظِ الرَّحِيم لِيَقْطَعَ الْوَهْم بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُوصَف بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم إِلَّا اللَّه تَعَالَى كَذَا رَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ عَطَاء وَوَجَّهَهُ بِذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِف الرَّحْمَن حَتَّى رَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " قُلْ اُدْعُوا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى " وَلِهَذَا قَالَ كُفَّار قُرَيْش يَوْمَ الْحُدَيْبِيَة لَمَّا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ " اُكْتُبْ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَقَالُوا لَا نَعْرِف الرَّحْمَنَ وَلَا الرَّحِيمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَفِي بَعْض الرِّوَايَات لَا نَعْرِف الرَّحْمَنَ إِلَّا رَحْمَن الْيَمَامَةَ وَقَالَ تَعَالَى " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اُسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا " وَالظَّاهِر أَنَّ إِنْكَارَهُمْ هَذَا إِنَّمَا هُوَ جُحُود وَعِنَاد وَتَعَنُّت فِي كُفْرهمْ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي أَشْعَارهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى بِالرَّحْمَنِ قَالَ اِبْن جَرِير : وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْض الْجَاهِلِيَّة الْجُهَّال : أَلَا ضَرَبَت تِلْكَ الْفَتَاة هَجِينهَا أَلَا قَضَبَ الرَّحْمَن رَبِّي يَمِينَهَا وَقَالَ سَلَامَة بْن جُنْدُب الطُّهَوِيّ : عَجِلْتُمْ عَلَيْنَا إِذْ عَجِلْنَا عَلَيْكُمْ وَمَا يَشَأْ الرَّحْمَن يَعْقِد وَيُطْلِق وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ الرَّحْمَن الْفَعْلَان مِنْ الرَّحْمَة هُوَ كَلَام الْعَرَب وَقَالَ " الرَّحْمَن الرَّحِيم " الرَّفِيق الرَّقِيق لِمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْحَمهُ وَالْبَعِيد الشَّدِيد عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَنِّف عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ كُلّهَا . وَقَالَ اِبْن جَرِير أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن مُسْعَدَة عَنْ عَوْف عَنْ الْحَسَن قَالَ الرَّحْمَن اِسْم مَمْنُوع . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب حَدَّثَنِي أَبُو الْأَشْهَب عَنْ الْحَسَن قَالَ الرَّحْمَن اِسْم لَا يَسْتَطِيع النَّاس أَنْ يَنْتَحِلُوهُ تَسَمَّى بِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَطِّع قِرَاءَته حَرْفًا حَرْفًا " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالِك يَوْم الدِّين " فَقَرَأَ بَعْضهمْ كَذَلِكَ وَهُمْ طَائِفَة وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَهَا بِقَوْلِهِ " الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " وَكُسِرَتْ الْمِيم لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهُمْ الْجُمْهُور وَحَكَى الْكِسَائِيّ مِنْ الْكُوفِيِّينَ عَنْ بَعْض الْعَرَب أَنَّهَا تُقْرَأ بِفَتْحِ الْمِيم وَصِلَة الْهَمْزَة فَيَقُولُونَ" بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ" فَنَقَلُوا حَرَكَة الْهَمْزَة إِلَى الْمِيم بَعْد تَسْكِينهَا كَمَا قُرِئَ قَوْله تَعَالَى " الم اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ " قَالَ اِبْن عَطِيَّة وَلَمْ تَرِد هَذِهِ قِرَاءَةً عَنْ أَحَد فِيمَا عَلِمْت.

كتب عشوائيه

  • شرح مناسك الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنةشرح مناسك الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنة مجردة عن البدع والخرافات التي ألصقت بها وهي ليست منها.

    المؤلف : صالح بن فوزان الفوزان

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/314829

    التحميل :

  • التعليقات الزكية على العقيدة الواسطيةالعقيدة الواسطية : رسالة نفيسة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ذكر فيها جمهور مسائل أصول الدين، ومنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي التي يعتمدون عليها في العقائد؛ لذا احتلت مكانة كبيرة بين علماء أهل السنة وطلبة العلم، لما لها من مميزات عدة من حيث اختصار ألفاظها ودقة معانيها وسهولة أسلوبها، وأيضاً ما تميزت به من جمع أدلة أصول الدين العقلية والنقلية؛ لذلك حرص العلماء وطلبة العلم على شرحها وبيان معانيها، ومن هذه الشروح شرح فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -. ملحوظة: الكتاب نسخة مصورة من إصدار دار الوطن للنشر بالمملكة العربية السعودية.

    المؤلف : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

    الناشر : دار الوطن http://www.madaralwatan.com

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/311361

    التحميل :

  • تفسير السعدي [ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ]تفسير السعدي: في هذه الصفحة نسخة الكترونية مفهرسة، تتميز بسهولة التصفح والوصول إلى الآية من كتاب تفسير السعدي، وهو تفسير يعتني بإيضاح المعنى المقصود من الآية بعبارة واضحة مختصرة، مع ذكر ما تضمنته الآية من معنى أو حكم سواء من منطوقها أو مفهومها، دون استطراد أو ذكر قصص أو إسرائيليات، أو حكاية أقوال تخرج عن المقصود، أو ذكر أنواع الإعراب, إلا إذا توقَّف عليه المعنى، وقد اهتم بترسيخ العقيدة السَّلفيَّة، والتوجَّه إلى الله، واستنباط الأحكام الشرعية، والقواعد الأصولية، والفوائد الفقهية, والهدايات القرآنية إلى غير ذلك من الفوائد الأخرى والتي قد يستطرد أحياناً في ذكرها, ويهتم في تفسيره بآيات الصفات, فيفـسرها على عقيدة أهل السُّنَّة. • ونبشر الإخوة بوجود قراءة صوتية لهذا الكتاب النفيس - حصرياً لموقعنا - ورابطه: http://www.islamhouse.com/p/200110 • أيضاً تم ترجمة الكتاب إلى عدة لغات عالمية وقد أضفنا بعضاً منها.

    المؤلف : عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    الناشر : موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2422

    التحميل :

  • حقوق الإنسان في الإسلامحقوق الإنسان في الإسلام : في هذا البحث بيان حقيقة حقوق الإنسان كما تثار في عالمنا المعاصر، مع وضع شعاراتها، ومفاهيمها، ونتائجها، في ميزان الإسلام.

    المؤلف : عبد الله بن عبد المحسن التركي

    الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/144878

    التحميل :

  • مختصر الفقه الإسلاميمختصر الفقه الإسلامي [ الطبعة الثالثة عشرة ]: مختصر سهل الأسلوب، حوى بين جنبيه شرائع الإسلام، وروعي فيه إلقاء النفع على البيت المسلم على وجه الخصوص. - قد جمع ورتب من كتب متعددة، في التوحيد والإيمان والأخلاق والآداب والأذكار والأدعية والأحكام، فينتهل منه العابد والواعظ والمعلم والتاجر والمفتي والقاضي والداعي إلى الله تعالى. - وضع بحيث يتناول المسائل التي تهم كل مسلم، ثم يذكر الحكم الراجح من أقوال أهل العلم - إذ ظهر دليل الترجيح - مع ذكره إن كان في الكتاب العزيز أو صحيح السنة أو كليهما. - وهو تعريف عام بدين الإسلام، عقيدة وأحكاماً، وأخلاقاً وآداباً، ودعوة إلى الله تعالى على بصيرة. - ملحوظة مهمة: ترتيب المرفقات كالآتي: 1- طبعة مصورة وهي الطبعة العاشرة من الكتاب. 2- نسخة نصية ومحولة وهي للطبعة الحادية عشر. 3- نسخة نصية ومنسقة وهي للطبعة الحادية عشر. 4- نسخة نصية في ملف مضغوط ومقسمة إلى أبواب للطبعة الحادية عشر. وننبه الزوار الكرام، إلى أن أننا ترجمنا الكتاب إلى العديد من اللغات العالمية، وهي موجودة على موقعنا - ولله الحمد -. 5- نسخة نصية ومحولة وهي للطبعة الثالثة عشر.

    المؤلف : محمد بن إبراهيم التويجري

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/202905

    التحميل :

اختر التفسير

اختر سوره

كتب عشوائيه

اختر اللغة

المشاركه

Bookmark and Share